المشاركات

عرض المشاركات من أغسطس, 2021

من القاهرة إلى البصرة، طرق متشابهة

صورة
عام ٢٠١٤ -ربما قبله أو بعده بقليل- في ذروة حماسي واندفاعي للعمل الإذاعي، كنت حينها مخرجاً في إذاعة (لمديرها فضل عليّ لا أنساه) تشاركت مع صديق (مقدم برامج) فيها، فكرة برنامج أسميناه "سائق التكسي". من خلال تجاربنا الشخصية بركوب التكسيات نادراً ما نركب مع سائق لا يتحدث ويقضي الطريق إلى نقطة الوصول من دون أن يفتح مع الراكب موضوع معين للحديث، وهذا ما دعانا للتفكير بهذا البرنامج، لأنها أحاديث تعكس جزءً من الواقع المُعاش وتداعياته، وكنوع من التوثيق أيضاً. وبما إن هذا الصديق كان يستخدم التكسي كثيراً في تنقلاته من البيت إلى الإذاعة، وبالعكس كذلك، فما كان عليه سوى حمل جهاز التسجيل الصوتي، وتسجيل حديثه مع السائقين. أُذيعت حلقات عديدة من البرنامج، وكل حلقة كانت مليئة بأحاديث وتفاصيل ممتعة ومهمة لمن يلتفت ويهتم بهذا النوع من البرامج. وبالرغم من أن البرنامج كان صوتي فقط، لكنه تجربة ومحاولة توثيقية للواقع والمعيشة أعتز بيها. قبل سنتين نشر صديقي فارس الكامل منشور عن فيلم تسجيلي أسمه "طُرق القاهرة" حفظت صورته وقررت مشاهدته فيما بعد. لكن بزحمة الحياة وسرعتها نسيته. اليوم بالصدفة ومن ...

أدب الصيف 2

صورة
...استكمالًا لما سبق الفكرة من مقال الدكتور طه حسين: أن بعض الأحاديث "تحتاج إلى الراحة والهدوء والقدرة على التفكير المطمئن، لكي نستسيغها في غير جهد ولا مشقة ولا تعرضٍ لهذا العناء السريع الذي نتعرض له حين يُسلط الجو علينا هذا الحر الشديد" يتحدث الدكتور عن واحد من صحابته، كان على موعد للقاء أسبوعي معه، يتداولون فيه أحاديث عن الشعر القديم، والشعر الجاهلي. بمرور الوقت هذا الصديق أنقطع عن الحضور، وأعلن عجزه عن فهم هذه الأشعار، "لأن طاقته لا تستطيع أن تثبت لدرس الشعراء القدماء وما يعرضون له من صور مهما تكن جميلة، فإنها أبية عصية تكلف الذين يطلبون إليها جمالها وروعتها شيئاً من جهد، وفضلاً من عناء". وهذا ما لم يوفره هذا الفصل من السنة. يقول طه حسين واصفاً هذا الصديق: "خُيّل إليّ أنه فرّ من هذا الجو فرارًا، وأي شيء أيسر عليه من الفرار، فلا بد لي إذن من أن أستيئس من التحدث إليه في الشعر القديم حتى تنجلي غمرة الصيف، وإذا كان هو على لينه ورقته واعتصامه بهذه الرقة وذلك اللين من أعراض الحر والبرد قد فرَّ من أحاديث الشعر القديم، فما أجدر غيره من الناس أن يضيقوا بهذه الأحاديث...

أدب الصيف 1

صورة
يكتب الدكتور طه حسين: "قيظ الصيف مرهق لا يصهر الأبدان وحدها، ولكنه يصهر معها العقول، ولعله يصهر مع العقول والأبدان بعض الأخلاق أيضًا، فيدفع قومًا من الأمر إلى ما لم يكونوا ليُدفعوا إليه لو لم يشتد القيظ على أبدانهم وعقولهم وأخلاقهم، فيمنعهم من الأناة والمهل، ومن التفكير والتروية، ومن ضبط النفس وتسليط العقل على الإرادة حين يعملون أو يقولون". قضيت يومين في بغداد لاحظت وبسبب ارتفاع درجة الحرارة، حالة هستيرية وانفلاتًا غير طبيعي ممن شغله بتماس مباشر مع الشمس (شرطة، مرور، باعة متجولون، وخاصة سواق سيارات العتبة الكاظمية). هذه الحالة لم أشاهد مثيلًا لها في البصرة، رغم الفارق بين ما تسجله المدينتين بدرجات الحرارة من حيث شدتها وقسوتها؟!   في عام ١٩٣٥ كتب طه حسين مقالًا بعنوان "أدب الصيف" يقارن فيه بين الصيف في أوربا والصيف في مصر. وكيف يتناول كُتاب وشعراء وأدباء كلا الجانبين هذا الطور من حياتهم وحياة قراءهم، كذلك كيف يستقبل عامة الناس هذا الفصل وخاصة الطلبة وعوائلهم، بعد انتهاء العام الدراسي. يذكر العميد أن الصحف الغربية تمتلئ في هذا الفصل (بأدب الصيف، أو أدب الإجازة، أو أد...