من القاهرة إلى البصرة، طرق متشابهة

عام ٢٠١٤ -ربما قبله أو بعده بقليل- في ذروة حماسي واندفاعي للعمل الإذاعي، كنت حينها مخرجاً في إذاعة (لمديرها فضل عليّ لا أنساه) تشاركت مع صديق (مقدم برامج) فيها، فكرة برنامج أسميناه "سائق التكسي".
من خلال تجاربنا الشخصية بركوب التكسيات نادراً ما نركب مع سائق لا يتحدث ويقضي الطريق إلى نقطة الوصول من دون أن يفتح مع الراكب موضوع معين للحديث، وهذا ما دعانا للتفكير بهذا البرنامج، لأنها أحاديث تعكس جزءً من الواقع المُعاش وتداعياته، وكنوع من التوثيق أيضاً. وبما إن هذا الصديق كان يستخدم التكسي كثيراً في تنقلاته من البيت إلى الإذاعة، وبالعكس كذلك، فما كان عليه سوى حمل جهاز التسجيل الصوتي، وتسجيل حديثه مع السائقين.
أُذيعت حلقات عديدة من البرنامج، وكل حلقة كانت مليئة بأحاديث وتفاصيل ممتعة ومهمة لمن يلتفت ويهتم بهذا النوع من البرامج. وبالرغم من أن البرنامج كان صوتي فقط، لكنه تجربة ومحاولة توثيقية للواقع والمعيشة أعتز بيها.

قبل سنتين نشر صديقي فارس الكامل منشور عن فيلم تسجيلي أسمه "طُرق القاهرة" حفظت صورته وقررت مشاهدته فيما بعد. لكن بزحمة الحياة وسرعتها نسيته. اليوم بالصدفة ومن خلال اقتراحات سينمانا تذكرته وشاهدته. ومع نهاية هذا الفيلم البسيط والمبهر، تذكرت برنامجنا الإذاعي -مع حفظ الفارق والإمكانيات طبعاً- وزاد رأيي ثَباتاً بأهمية التوثيق سواء بالصوت أو الصورة، خصوصاً في العراق، هذا البلد الذي قدره أن يكون التقدم فيه صِنْو الخسارة والفقدان.

صحيح إن موضوع الفيلم الأساسي الكشف عن مشاكل الطرق والمرور والازدحامات في مصر، من خلال عينة من سواق التكسيات والميكروباصات. لكن من خلال هذا الحدث الرئيسي يمكنك أن تكتشف كيف أثرت هذه المشاكل على سلوكيات الموطنين وواقعهم الذي يرفض المسؤول عنه مشاهدته أو تغييره!
وأنا أشاهد عملت إسقاطاً بسيطاً على واقع البصرة، كل الأحداث الواردة في الفيلم شاهدتها ونعاني منها في شوارعنا.
مثلاً:
١- نتكلم على سواق الكيات عدم مراعاتهم الطريق والسيارات الأخرى بالشارع ونقول: أبو الكيا يشوف الواگفين بالشارع ٥٠٠ دينار!
في مصر الأمر مشابه، يقولون مثلنا: أبو الميكروباص يشوف الواگف بالشارع (گنيه)
وما تسببه هذه الرؤية من مشاكل ومزاحمة لسيارات الآخرين بالشارع وربما حتى التسبب بحوادث!
٢- للسهولة، سواق السيارات يستديرون من الاستدارة المعاكسة لإتجاه سيرهم (مثال على ذلك ما يحدث يومياً بالفلكة اللي أمام المحكة القديمة (والوقف الشيعي سابقاً) في البصرة القديمة، مقابل منطقة السمير)!
نفس هذا الموقف سوف تشاهده بمصر، وكمية السباب والشتيمة التي يتلقاها لها السائق المخالف.
٣- مشكلة التك توك، وسيارات الحمل وعدم مراعاتهم السرعة وموعد سيرهم بالشارع!
وغيرها الكثير يكشف عنها الفيلم.

الغريب والذي يلفتني دائماً وأنا أشاهد الأفلام أو المسلسلات المصرية، حجم الشبه بين واقعنا والواقع المصري؟ ويمكن هذا بسبب تشابه مصائرنا التي رسمتها لنا السياسة. وفي ظني أفضل من عبر عن هذا التشابه، الراحل وحيد حامد بعبارة عظيمة قالها الممثل كريم عبدالعزيز في مسلسل (الجماعة): "البلد دي ربنا بلاها بلوتين: بلوة العسكر وبلوة الإخوان. دُول خربوها، ودُول رگعوها لورا ووئفوا نموها"

هذا الفيلم درس مجاني عن أهمية التوثيق بالصورة خصوصاً. الصورة التي لا تكتفي بتصوير شارع الوفود أو شارع مجلس المحافظة الجديد عندما تمطر. الصورة التي توثق وتكون ذاكرة لحجم الخراب والبؤس والمهانة التي نعيشها، وانعكاس كل هذا على سلوكياتنا وما أنتجه من وحشية بالقول والفعل. صورة توثق لمصيرنا (وبتعبير وحيد حامد) ما بدأه العسكر، واستلمه واستمر بتجديده (الإخوان) بنسختهم العراقية.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ضرورة استحضار التاريخ

أدب الصيف 2

أدب الصيف 1