أدب الصيف 2

...استكمالًا لما سبق
الفكرة من مقال الدكتور طه حسين: أن بعض الأحاديث "تحتاج إلى الراحة والهدوء والقدرة على التفكير المطمئن، لكي نستسيغها في غير جهد ولا مشقة ولا تعرضٍ لهذا العناء السريع الذي نتعرض له حين يُسلط الجو علينا هذا الحر الشديد"
يتحدث الدكتور عن واحد من صحابته، كان على موعد للقاء أسبوعي معه، يتداولون فيه أحاديث عن الشعر القديم، والشعر الجاهلي. بمرور الوقت هذا الصديق أنقطع عن الحضور، وأعلن عجزه عن فهم هذه الأشعار، "لأن طاقته لا تستطيع أن تثبت لدرس الشعراء القدماء وما يعرضون له من صور مهما تكن جميلة، فإنها أبية عصية تكلف الذين يطلبون إليها جمالها وروعتها شيئاً من جهد، وفضلاً من عناء". وهذا ما لم يوفره هذا الفصل من السنة.

يقول طه حسين واصفاً هذا الصديق: "خُيّل إليّ أنه فرّ من هذا الجو فرارًا، وأي شيء أيسر عليه من الفرار، فلا بد لي إذن من أن أستيئس من التحدث إليه في الشعر القديم حتى تنجلي غمرة الصيف، وإذا كان هو على لينه ورقته واعتصامه بهذه الرقة وذلك اللين من أعراض الحر والبرد قد فرَّ من أحاديث الشعر القديم، فما أجدر غيره من الناس أن يضيقوا بهذه الأحاديث"

كما ذكرت في المنشور السابق، قرر طه حسين بعد ذلك ألّا يتحدث إلى القرّاء في موضوعات "تكلفهم جهدًا وشططًا" في فصل الصيف.

في العراق، لدينا حديث فائض وتخمة بالكتابات والمنشورات التي تحلل وتنتقد الوضع، في هذه الأجواء -أجواء الحر الشديد- تحتاج لقليل من التفكير والانشغال، كيما تولد ارتدادات عكسية سلبية في سلوك القارئ (المواطن).
لنأخذ مثلًا حال الطلبة في هذه الأجواء الحارة والتي تتوافق مع العطلة الصيفية، وبعد فترة جهد وضغط الدراسة والامتحانات لابد أن تكون هذه الأوقات أوقات راحة واستجمام واستعادة للنشاط.
لكن الغريب، من يسمع لهؤلاء الطلاب ويقرأ ما يكتبون، يجدهم مشغولين بالسياسة وهمومها، ومنهمكين بالحديث عن ح البلد وأزماته، بأعصاب مشتعلة تضاف لاشتعال درجة حرارة الجو!

برأيي سبب انشغال هولاء الطلبة بما يزيد همومهم ويكثر مشاكلهم، هي الأحاديث والكتابات والنشر الفائض بالسياسة ومشاكل البلد، سواء ما يسمعوه في البيت أو الشارع، أو ما يكتب في الفيس بوك، ويعرض في التلفزيون.
العراقيين وخصوصًا الطلبة، بحاجة إلى أدب صيفي يبعدهم وينسيهم مآزق البلد ولو لفترة.



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ضرورة استحضار التاريخ

أدب الصيف 1