كيف استعيد مدينتي؟
كل شيء
في هذه المدينة يبعث على القلق، كل شيء فيها مخيف ومرعب، شوارعها مظلمة
ومكفهرة حتى مع سطوع ضوء شمسها اللاهب في وضح النهار، مبانيها تبعث في النفس
سُقماً، تصاميمها غريبة لا تتلائم مع طبيعة تكوينها المعماري وتأريخها الضارب في القدم...أما
وجوه ساكنيها فأغلبها تُخفي بؤساً وألماً شديدين؛ تفقد معهما كل إحساس بقيمة وإشراقة
صباحها، فما هو إلا تكرار لما سبقه؟
لذا شيئاً فشيئاً بدء يقل ارتباطي بهذه المدينة، وما بقي غير الذاكرة ملهمةً تعينني على الاستمرار بتقبل واقعها. والعزلة سلوى. والكتاب منفذ. ربما أستعيد بهم صورة من صور بصرياثا المبهجة.
العزلة ليس كما نتصورها بالانكفاء وترك التواصل مع الآخرين والمحيط؛ "بل عزلة الحوار مع الذات، أو مع قرين يشبهك، او حوار مع كتاب"، فهي -العزلة- كما يصفها فوزي كريم "وسيطي، حين أخرج للتجوال في هذه المدينة، في تأمل الأجناس البشرية، تأمل الأعمار، والهيئات، والوجوه، والأصوات"
أو كما يصفها أحمد سعداوي "بالعزلة المنتجة" التي تخلص المرء من جو التهريج والصخب الانفعالي "عزلة تستعيد فيها ذاتك. وتختلي مع نفسك وتطل على الآخرين، وتطل على صورتك التي تركتها هناك مع الآخرين، وتحاكمها، وتحاول الاستفادة من هذه المراقبة، لتصحيح مساراتك بعد أن تخرج منها".
بدون العزلة هذه "فأنت لن تفلت من مصير النعجة في القطيع"
لذلك قررت ومن مدة أن يكون أحد رفقاء هذه العزلة -عزلة استعادة الذات- هو القاص محمد خضير* موقناً بأني برفقته سأستعيد صورة من صور هذه المدينة المفقودة، صورة تواجه تشوهات صورتها الحالية "في نسختها الحادية عشرة أو العشرين من مدينة باصورا القديمة".
محمد خضير كان في هذه العزلة أحد "المراسلين الذين يحملون توصية إلى واحد من أبناء هذا الزمان وأحفاده. مراسل قادم من النسخ الغابرة لأجلي، ويحمل في كُمّه مخطط لنسخة من نسخ هذه المدينة بين نسخها العديدة، محاولاً إسعادي وإعادة بعض من وشائج هذه العلاقة التي بدأت تتفكك، وتبتعد".
الفرق بيني وبين محمد خضير، هو لا يعلم بمخطط المدينة هل هو أصلي أم نسخة طبق الأصل عندما أستلم مخططها من المراسل الذي يحمل أول حرف من أسمه كما ذكر بواحدة من قصصه؛ لكني أعلم أن نسختي التي أعيشها هي نسخة مشوهة وغير حقيقة وتخلو من أصالة. وسوف أغدو حاملاً هذه النسخة المشوهة من المدينة لمواطني النسخ المقبلة، علني أجد من يرشدني ويدلني، كيف أستعيد مدينتي؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*لم ألتقي أو أشاهد محمد خضير سابقاً، لكن ومنذ ان بدأت أقرأ قصصه بدءً من المملكة السوداء، شاهدته ما يقارب ثلاث مرات منها في منطقة العشار واُخرى في منطقة البصرة القديمة. ولا أعرف هل لهذه المشاهدات وللمكانين علاقة بصورة باصورا التي اعيشها والأخرى التي في المخيلة؟
الملفت أني ورغم مشاهدتي لشخصه الكريم، الوديع، واللطيف كما ينقل لي صديق التقاه، لم أحاول ولو لمرة واحدة ان أسلم عليه او ألتقط معه صورة كما يفعل المعجبون مع المشاهير...
أولاً: لأن سحنته تشبه سحنة الوالد (رحمه الله) والذي كان يمنعني الأحترام المبالغ الذي تربيت عليه، والشعور بسطوته وهيبته من التواصل معه، وهو ما جعلني أيضاً أختار هذه الصورة التي تشبه طلته بها طلت الوالد في صوره.

ثانياً: أنا مقتنع بان هناك فاصلة تفصل القارىء عن كتابه المفضلين، فاصلة تحافظ على تلك صورة المثالية المرسومة في مخيلتي، وتحتفظ وتحافظ على مكانته فيها، وربما الأقتراب منهم يخدش أو يربك تلك الصورة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعد كتابة هذا النص رغبت في نشره على صفحتي في الفيس بوك. وبعد أن نشرته بدقائق تفاجأت بتعليق محمد خضير على المنشور. إذ لم يكن بيننا صداقة تجمعنا في الفيس بوك! فكيف وصل إليه ما كتبت وقرأه؟
مهما يكن كيف وصل؟ ومن أوصله؟ المهم أنه قرأه وعلق عليه، بهذا التعليق الذي سيبقى له وقع خاص على قلبي. وربما سيجعلني أفكر بأشياء لم تكن أبداً ضمن دائرة اهتماماتي.

لذا شيئاً فشيئاً بدء يقل ارتباطي بهذه المدينة، وما بقي غير الذاكرة ملهمةً تعينني على الاستمرار بتقبل واقعها. والعزلة سلوى. والكتاب منفذ. ربما أستعيد بهم صورة من صور بصرياثا المبهجة.
العزلة ليس كما نتصورها بالانكفاء وترك التواصل مع الآخرين والمحيط؛ "بل عزلة الحوار مع الذات، أو مع قرين يشبهك، او حوار مع كتاب"، فهي -العزلة- كما يصفها فوزي كريم "وسيطي، حين أخرج للتجوال في هذه المدينة، في تأمل الأجناس البشرية، تأمل الأعمار، والهيئات، والوجوه، والأصوات"
أو كما يصفها أحمد سعداوي "بالعزلة المنتجة" التي تخلص المرء من جو التهريج والصخب الانفعالي "عزلة تستعيد فيها ذاتك. وتختلي مع نفسك وتطل على الآخرين، وتطل على صورتك التي تركتها هناك مع الآخرين، وتحاكمها، وتحاول الاستفادة من هذه المراقبة، لتصحيح مساراتك بعد أن تخرج منها".
بدون العزلة هذه "فأنت لن تفلت من مصير النعجة في القطيع"
لذلك قررت ومن مدة أن يكون أحد رفقاء هذه العزلة -عزلة استعادة الذات- هو القاص محمد خضير* موقناً بأني برفقته سأستعيد صورة من صور هذه المدينة المفقودة، صورة تواجه تشوهات صورتها الحالية "في نسختها الحادية عشرة أو العشرين من مدينة باصورا القديمة".
محمد خضير كان في هذه العزلة أحد "المراسلين الذين يحملون توصية إلى واحد من أبناء هذا الزمان وأحفاده. مراسل قادم من النسخ الغابرة لأجلي، ويحمل في كُمّه مخطط لنسخة من نسخ هذه المدينة بين نسخها العديدة، محاولاً إسعادي وإعادة بعض من وشائج هذه العلاقة التي بدأت تتفكك، وتبتعد".
الفرق بيني وبين محمد خضير، هو لا يعلم بمخطط المدينة هل هو أصلي أم نسخة طبق الأصل عندما أستلم مخططها من المراسل الذي يحمل أول حرف من أسمه كما ذكر بواحدة من قصصه؛ لكني أعلم أن نسختي التي أعيشها هي نسخة مشوهة وغير حقيقة وتخلو من أصالة. وسوف أغدو حاملاً هذه النسخة المشوهة من المدينة لمواطني النسخ المقبلة، علني أجد من يرشدني ويدلني، كيف أستعيد مدينتي؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*لم ألتقي أو أشاهد محمد خضير سابقاً، لكن ومنذ ان بدأت أقرأ قصصه بدءً من المملكة السوداء، شاهدته ما يقارب ثلاث مرات منها في منطقة العشار واُخرى في منطقة البصرة القديمة. ولا أعرف هل لهذه المشاهدات وللمكانين علاقة بصورة باصورا التي اعيشها والأخرى التي في المخيلة؟
الملفت أني ورغم مشاهدتي لشخصه الكريم، الوديع، واللطيف كما ينقل لي صديق التقاه، لم أحاول ولو لمرة واحدة ان أسلم عليه او ألتقط معه صورة كما يفعل المعجبون مع المشاهير...
أولاً: لأن سحنته تشبه سحنة الوالد (رحمه الله) والذي كان يمنعني الأحترام المبالغ الذي تربيت عليه، والشعور بسطوته وهيبته من التواصل معه، وهو ما جعلني أيضاً أختار هذه الصورة التي تشبه طلته بها طلت الوالد في صوره.

ثانياً: أنا مقتنع بان هناك فاصلة تفصل القارىء عن كتابه المفضلين، فاصلة تحافظ على تلك صورة المثالية المرسومة في مخيلتي، وتحتفظ وتحافظ على مكانته فيها، وربما الأقتراب منهم يخدش أو يربك تلك الصورة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعد كتابة هذا النص رغبت في نشره على صفحتي في الفيس بوك. وبعد أن نشرته بدقائق تفاجأت بتعليق محمد خضير على المنشور. إذ لم يكن بيننا صداقة تجمعنا في الفيس بوك! فكيف وصل إليه ما كتبت وقرأه؟
مهما يكن كيف وصل؟ ومن أوصله؟ المهم أنه قرأه وعلق عليه، بهذا التعليق الذي سيبقى له وقع خاص على قلبي. وربما سيجعلني أفكر بأشياء لم تكن أبداً ضمن دائرة اهتماماتي.

تعليقات
إرسال تعليق