مصائرنا والسادة الفاشلون
المربي، الدكتور كمال السامرائي يفرد صفحات
في مذكراته (حديث الثمانين) يتحدث فيها عن سبب عدم انتماءه إلى حزب سياسي بذاته، لكنه
يتساءل وبناءً على حادثة حدثت مع واحد من طلابه المكملين وكان ينتمي إلى الحزب الشيوعي
حينها عن السبب الذي يدفع هذا الطالب وأمثاله للانتماء السياسي؟
هذا التساؤل جاء بعد فشل الطالب المذكور في الاختبار التكميلي وكان مكملًا بثلاث دروس، رغم توسلاته للدكتور كمال لإنجاحه كونه معتقل بسبب توجهاته الحزبية "المتطرفة والراديكالية" ولم يستطع بسبب الاعتقال مراجعة دروسه، وكذلك تدخل مسؤوله الحزبي الذي كان على علاقة بالدكتور للتأثير على قراره في منحه درجة النجاح، لكن الدكتور كمال يقول أخذت موقف الجد كممتحن، ويبرر الدكتور موقفه هذا بالتساؤل:
(هل أن رؤساء هذا الطالب في الحزب يتغاضون عن أخطاءه في تطبيق أوامرهم؟ فكيف نتساهل معه إذا أخطأ في الامتحان وهو مقبل على تولي أرواح الناس؟)
ويظهر من حديث الدكتور أن هذا الطالب مع مجموعة طلبة آخرين كانوا مهتمين بالسياسة ويفضلونها على الدراسة ومهنة الطب!
قبل أيام قرأت رواية عنوانها (سادة المصير) للروائي الجزائري سفيان زدادقة في جزء من أحداثها إجابة لتساؤل الدكتور "عن السبب الذي يدفع هذا الطالب وأمثاله للانتماء السياسي؟"
أحداث الرواية تغطي فترة الصراع السياسي الجزائري وما أعقبه من حرب أهلية وتدخل العسكر، بعد إلغاء نتائج الانتخابات والتي أسفرت عن فوز المتشددين الإسلاميين بقيادة "الجبهة الإسلامية للإنقاذ".
الشخصية الرئيسية في الرواية (عمار بن المسعود) فاشل دراسيًا ومحتال منذ الصغر. يوم من الأيام يشاهد عمار موكب مسؤول حكومي بما فيه من عدد السيارات وأفراد الحماية والسطوة والأبهة التي يفرضها موكب المسؤول على الشارع والمارة!
-يسأل عمار أبيه "هل هذا هو الرئيس؟"
-يجيب الأب كلا ليس هذا هو الرئيس..الرئيس شيء آخر مختلف، هذا المسؤول قطًا وسخًا بالقياس إليه"
منذ هذه اللحظة أدرك عمار أن هيبة وسطوة السلطة هي المغذي الوحيد لشعوره بالنقص والفشل. لذلك يقرر عمار أن يصبح رئيسًا للجزائر، ووجد الفرصة مؤاتية بعد أن قرر مجلس إدارة المدرسة طرده من المدرسة وفشله كذلك في العمل وكسب الرزق بعد أن تسبب في جلب الكثير من المشاكل لمن عمل معهم وصار الجميع يرفضونه لسمعته السيئة، فينتمي عمار للحزب الحاكم (حزب المحافظين) وبعدها للجبهة الإسلامية ويدخل الانتخابات من أجل الوصول لكرسي الرئاسة وتحقيق حلمه عندما شاهد موكب المسؤول الحكومي.
الرواية تطرح كثير من الإشكاليات والتساؤلات عن الديمقراطية في عالمنا العربي وأهمها:
-(هل البلدان العربية حقًا مؤهلة للديموقراطية؟)
-(تسلط الضوء على مساوئ الديمقراطية كونها تتيح الفرصة للحمقى ومرضى النفوس الصعود والتصدي للعملية السياسية بمجرد ضمان أصوات مجموعة من المؤيدين "المنتفعين والمخدوعين"، حيث تصبح السياسية والمنصب بحكم ما تمنحه من امتيازات وسلطة، وسيلة للتعويض عن الفشل والنقص الذي عانى ويعاني منه الشخص المُنتخب)
-(هل الديمقراطية عبارة عن صناديق اقتراع فقط؟ يتمكن من خلالها الأغبياء والقطيع بواسطة التصويت تقرير مصير بلاد بأكملها، وكيف تتحكم الدوافع الدينية والحزبية والمصالح الشخصية وغيرها في عملية التصويت. أم هي سلوك يشمل الفرد والمجتمع ومؤسسات الدولة وقوانينها وطريقة حكمها وإداراتها؟ بما فيها تنظيم عمل مؤسسات الحكم استنادًا للقانون، ومبدأ التداول السلمي للسلطة "يعني مو صك وقتل وخطف" لأي شخص يعارض الحكومة، وتقييد سلطة الحكومة بالدستور واستقلالية القضاء، صيانة حريات الأفراد وحقوقهم... إلى آخره)
تساؤل الدكتور كمال السامرائي عن السبب الذي يدفع الطلبة (ونگدر نضيف لهم كثير من الأشخاص بعالمنا العربي) لممارسة السياسة؟ وخصوصًا حين يدرك الشخص أنه عاجز عن متابعة دروسه وفشله حتى في العمل والتجارة، الرواية تجيب بأن ديمقراطياتنا المشوهة وسياساتنا القائمة على التسلط والقمع واستعراض العضلات، توفران أقصر الطرق لعمار وأشباه عمار (الطالب في قصة الدكتور) للتعويض عن فشلهم ونقصهم. وهذا يدعونا إلى إعادة النظر بمفهوم السلطة والحكم وكيف تم صياغته عبر الأجيال؟ ولماذا الشخص يرغب بأن يصبح مسؤولًا؟ ومعنى الديمقراطية وطريقة تداولها بين الشعوب وما تحتاجه من تأسيس، وقاعدة، وتنظير، وفرقها عن الديمقراطيات الشكلية المستوردة واللي يتم إنزالها بطائرات مثل ما حصل مع العراق.
هذا التساؤل جاء بعد فشل الطالب المذكور في الاختبار التكميلي وكان مكملًا بثلاث دروس، رغم توسلاته للدكتور كمال لإنجاحه كونه معتقل بسبب توجهاته الحزبية "المتطرفة والراديكالية" ولم يستطع بسبب الاعتقال مراجعة دروسه، وكذلك تدخل مسؤوله الحزبي الذي كان على علاقة بالدكتور للتأثير على قراره في منحه درجة النجاح، لكن الدكتور كمال يقول أخذت موقف الجد كممتحن، ويبرر الدكتور موقفه هذا بالتساؤل:
(هل أن رؤساء هذا الطالب في الحزب يتغاضون عن أخطاءه في تطبيق أوامرهم؟ فكيف نتساهل معه إذا أخطأ في الامتحان وهو مقبل على تولي أرواح الناس؟)
ويظهر من حديث الدكتور أن هذا الطالب مع مجموعة طلبة آخرين كانوا مهتمين بالسياسة ويفضلونها على الدراسة ومهنة الطب!
قبل أيام قرأت رواية عنوانها (سادة المصير) للروائي الجزائري سفيان زدادقة في جزء من أحداثها إجابة لتساؤل الدكتور "عن السبب الذي يدفع هذا الطالب وأمثاله للانتماء السياسي؟"
أحداث الرواية تغطي فترة الصراع السياسي الجزائري وما أعقبه من حرب أهلية وتدخل العسكر، بعد إلغاء نتائج الانتخابات والتي أسفرت عن فوز المتشددين الإسلاميين بقيادة "الجبهة الإسلامية للإنقاذ".
الشخصية الرئيسية في الرواية (عمار بن المسعود) فاشل دراسيًا ومحتال منذ الصغر. يوم من الأيام يشاهد عمار موكب مسؤول حكومي بما فيه من عدد السيارات وأفراد الحماية والسطوة والأبهة التي يفرضها موكب المسؤول على الشارع والمارة!
-يسأل عمار أبيه "هل هذا هو الرئيس؟"
-يجيب الأب كلا ليس هذا هو الرئيس..الرئيس شيء آخر مختلف، هذا المسؤول قطًا وسخًا بالقياس إليه"
منذ هذه اللحظة أدرك عمار أن هيبة وسطوة السلطة هي المغذي الوحيد لشعوره بالنقص والفشل. لذلك يقرر عمار أن يصبح رئيسًا للجزائر، ووجد الفرصة مؤاتية بعد أن قرر مجلس إدارة المدرسة طرده من المدرسة وفشله كذلك في العمل وكسب الرزق بعد أن تسبب في جلب الكثير من المشاكل لمن عمل معهم وصار الجميع يرفضونه لسمعته السيئة، فينتمي عمار للحزب الحاكم (حزب المحافظين) وبعدها للجبهة الإسلامية ويدخل الانتخابات من أجل الوصول لكرسي الرئاسة وتحقيق حلمه عندما شاهد موكب المسؤول الحكومي.
الرواية تطرح كثير من الإشكاليات والتساؤلات عن الديمقراطية في عالمنا العربي وأهمها:
-(هل البلدان العربية حقًا مؤهلة للديموقراطية؟)
-(تسلط الضوء على مساوئ الديمقراطية كونها تتيح الفرصة للحمقى ومرضى النفوس الصعود والتصدي للعملية السياسية بمجرد ضمان أصوات مجموعة من المؤيدين "المنتفعين والمخدوعين"، حيث تصبح السياسية والمنصب بحكم ما تمنحه من امتيازات وسلطة، وسيلة للتعويض عن الفشل والنقص الذي عانى ويعاني منه الشخص المُنتخب)
-(هل الديمقراطية عبارة عن صناديق اقتراع فقط؟ يتمكن من خلالها الأغبياء والقطيع بواسطة التصويت تقرير مصير بلاد بأكملها، وكيف تتحكم الدوافع الدينية والحزبية والمصالح الشخصية وغيرها في عملية التصويت. أم هي سلوك يشمل الفرد والمجتمع ومؤسسات الدولة وقوانينها وطريقة حكمها وإداراتها؟ بما فيها تنظيم عمل مؤسسات الحكم استنادًا للقانون، ومبدأ التداول السلمي للسلطة "يعني مو صك وقتل وخطف" لأي شخص يعارض الحكومة، وتقييد سلطة الحكومة بالدستور واستقلالية القضاء، صيانة حريات الأفراد وحقوقهم... إلى آخره)
تساؤل الدكتور كمال السامرائي عن السبب الذي يدفع الطلبة (ونگدر نضيف لهم كثير من الأشخاص بعالمنا العربي) لممارسة السياسة؟ وخصوصًا حين يدرك الشخص أنه عاجز عن متابعة دروسه وفشله حتى في العمل والتجارة، الرواية تجيب بأن ديمقراطياتنا المشوهة وسياساتنا القائمة على التسلط والقمع واستعراض العضلات، توفران أقصر الطرق لعمار وأشباه عمار (الطالب في قصة الدكتور) للتعويض عن فشلهم ونقصهم. وهذا يدعونا إلى إعادة النظر بمفهوم السلطة والحكم وكيف تم صياغته عبر الأجيال؟ ولماذا الشخص يرغب بأن يصبح مسؤولًا؟ ومعنى الديمقراطية وطريقة تداولها بين الشعوب وما تحتاجه من تأسيس، وقاعدة، وتنظير، وفرقها عن الديمقراطيات الشكلية المستوردة واللي يتم إنزالها بطائرات مثل ما حصل مع العراق.
ومن هوان الدنيا ووبال الديمقراطية على العراق بعد
٢٠٠٣ أن يتحكم بمصيره ومصير شعبه تغريدات وخطابات مجموعة من المختلين عقليًا، والفاشلين
دراسيًا وتجاريًا خلتهم الديمقراطية والسياسة يصيرون "سادة المصير" علينا!
تعليقات
إرسال تعليق