أثواب باسم الكربلائي الملكية
في كتاب (من لا يكره بغداد) يذكر الراحل أحمد المهنا قول المستشرق الفرنسي ريجي بلاشير عن المفارقة السائدة في شعر المتنبي بين فن رفيع وفكر رقيع، قائلاً: إنه "ألبس أتفه المعاني أثواباً ملكية" في إشارة واضحة للفخر الذاتي الذي كرسه المتنبي في أشعاره، وهو تعبير واضح عن الشخصية الفارغة والخالية من أي محتوى والمتناقضة مع واقعها. لكن المتنبي قدم هذه الخصلة ورسخها في وعي المجتمع بلغة رصينة وشعرية جذابة.
في مجتمعنا العراقي عموماً (الشيعي خصوصاً) الذي يعيش "تحت ثقل التأريخ" كما يصفه جمال جاسم أمين في كتابه (مقهى سقراط) تبرز ظاهرة الترميز، والتي يُراد منها خلق رموز أسطورية كتعويض عن الفشل والشعور بالنقص في كثير من مفاصل الحياة. وهذه الظاهرة هي تعبير صارخ عن الدونية التي يمارسها المجتمع تجاه نفسه، باعتبار أن الرمز هو اختزال لكل طاقات الأمة وتعبير عنها. وكذلك لممارسة أفراد هذا المجتمع سطوتهم على الآخرين من خلال انتمائهم لهذه الرموز.
بعد عام ٢٠٠٣ أصبح باسم الكربلائي واحداً من أبرز هذه الرموز التي يمارس من خلالها الشيعي سطوته على الآخر، وأصبح أكبر من كونه رادوداً يقرأ قصيدة تعبر عن حالة حزن معينة ولفترة زمنية محددة، أصبحت قصائده تدخل في تكوين آراء الناس وتوجهاتهم وتحرضهم على الفعل، من باب أنه (خادم للحسين) ينتمي لفئة غير قابلة للنقاش والرد عليها، لأنها تمثل وتنطق بلسان ذلك المقدس (الحسين) والرد عليها رد على المقدس!
أضف إلى ذلك أنه ينتمي لمجموعة (بيت الشيرازي) التي تتمتع بنفوذ مالي وإعلامي، وتمتلك خطاب شعبوي مؤثر في الساحة الشعبية. فكان لها الدور الأكبر في صناعة هذا الرمز من خلال تقديمه وتلقيبه بألقاب (أسد المنبر، صوت الزهراء، ناعي العترة....) ومن المؤكد ما لهذه الألقاب من تأثير في الواقع الاجتماعي البسيط.
بالعودة لرأي بلاشر بالمتنبي، فإن باسم الكربلائي "ألبس أتفه القصائد أثواباً ملكية" لأن معظم القصائد التي يقرأها هي عبارة عن كلام تحريضي، عاطفي خيالي غير عقلاني يكتبه شعراء أجبرتهم رياح التغيير وصعود المد الديني على كتابة القصيدة الحسينية، بعد ما كانت اتجاهاتهم معروفة للمطلع، أمثال (إيهاب المالكي، وأحمد الذهبي، ورفعت الصافي)
أما الشاعر (عبدالخالق المحنا) والشاعر (ناظم الحاشي) والشاعر (علي عسيل العاملي) فأشعارهم مملوءة بالخرافة والأسطورة والتحريض والحقد حتى على الشيعة أنفسهم (غير المؤيدين لإتجاهاتهم الشيرازية) فكيف بالآخرين المختلفين...
كل هذه القصائد وهذا الكلام المحسوب شعراً، يقدمه باسم للجمهر، بأجمل الألحان، وأفضل مونتاج وتوزيع، داخل أرقى الأستوديوهات، ويتعامل مع أفضل المنتجين ومهندسي الصوت والملحنين والموزعين كـ "حسام يسري، وميشيل فاضل" إضافة إلى امتلاكه كاريزما "تمثيلية" مؤثرة سواء على المنبر أو داخل الأستوديو...
فهل هناك أفضل من هذه الأثواب الملكية حتى يُلبسها باسم قصائده وأفكاره، لتجد القبول والتأثير في المجتمع؟
وما (عطر باسم) إلا ثوب من تلك الأثواب.

تعليقات
إرسال تعليق